بيروت في 18 سبتمبر /قنا/ تشهد الساحة اللبنانية حالة من الترقب بسبب المخاوف الأمنية مع تسارع وتيرة اقتحام المصارف، والتي تجاوزت سبعة اقتحامات في يوم واحد "الجمعة الماضية"، وسط إعلان مجموعات أخرى عزمها اقتحام عدد آخر من البنوك.
وتأتي هذه الأحداث جراء القيود التي تفرضها المصارف اللبنانية منذ خريف 2019، على سحب الودائع خاصة بالدولار الأمريكي، والذي ترافق مع تراجع الليرة اللبنانية بعد أن فقدت أكثر من 90 بالمائة من قيمتها أمام الدولار.
وفي هذا السياق، تبدأ يوم غد الإثنين البنوك اللبنانية وفروعها إغلاقا يستمر لمدة ثلاثة أيام، تنفيذا لقرار جمعية المصارف اللبنانية، بعد سلسلة الاقتحامات التي قام بها بعض المودعين، للمطالبة بودائعهم المحتجزة في ظل الأزمة الاقتصادية والمالية التي تمر بها لبنان.
وأفادت جمعية المصارف في بيان لها بأن قرار الإقفال جاء بعد الاعتداءات المتكررة على المصارف وما يتعرض له القطاع، خاصة موظفي المصارف من تعديات، وجراء المخاطر التي يتعرض لها العملاء الموجودون داخل الفروع التي تتعرض للاقتحام.
وشددت الجمعية على ضرورة نبذ العنف بكافة أشكاله، وقالت إن العنف لم ولن يكون هو الحل، وأضافت أن الحل يكون بإقرار القوانين الكفيلة بمعالجة الأزمة في أسرع ما يمكن.
وعقب حوادث المصارف، دعا بسام مولوي وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية الجمعة الماضية إلى اجتماع طارئ لمجلس الأمن الداخلي المركزي، للبحث في الإجراءات الأمنية التي يمكن اتخاذها في ضوء الأحداث المستجدة على المصارف، واعتبر مولوي في مداخلة تلفزيونية عبر إحدى الفضائيات العربية أن لبنان لا يتحمل الإخلال بالأمن والنظام، مشدداً على أن مهمة الوزارة حفظ القانون وحماية النظام.
وأشار إلى أن استرداد الحقوق بهذه الطريقة يهدم النظام ويؤدي لخسارة باقي المودعين لحقوقهم، وقال "لا أعلم إذا كان أحدهم يقبل أن يأخذ وديعته على حساب باقي المودعين.. وحلول أزمة المودعين في مجلس النواب لا في وزارة الداخلية، فالقوى الأمنية ليست سبب المشكلة، ونحن وكل المودعين في خندق واحد ندفع ثمن النتيجة".
ولفت مولوي الى أن هناك جهات تريد استغلال ظروف المودعين لخلق اضطرابات، مؤكداً أنه لم ولن يقبل أن تقف القوى الأمنية في وجه المواطنين.
وبدأت المخاوف تتصاعد حول الوضع الأمني منذ يوم الجمعة الماضي، علماً بأن مثل هذه الحوادث الأمنية تكررت مؤخرا في المؤسسات المالية في لبنان جراء القيود التي تفرضها المصارف على عمليات سحب المودعين بالدولار، وأبرزها حادثة وقعت في الحادي عشر من أغسطس الماضي، حيث احتجز مودع مسلح رهائن داخل أحد المصارف في منطقة الحمرا ببيروت، بهدف الحصول على وديعته بالدولار الأمريكي.
كما شهد يوم الجمعة الماضي عدة هجمات، منها عملية اقتحام لبنك في منطقة الغازية جنوبي لبنان، من قبل مودع مسلح عمد إلى احتجاز الموظفين والزبائن حتى نجح في تحصيل جزء من وديعته المصرفية، ومن ثم سلم نفسه إلى القوى الأمنية، كما نفذ مودع آخر عملية اقتحام لمصرف في منطقة الطريق الجديدة بالعاصمة بيروت، وقام باحتجاز رهائن لتحصيل وديعته المصرفية.
وكان مواطن لبناني اقتحم الأسبوع الماضي أحد البنوك في مدينة "عاليه"بمحافظة جبل لبنان وطالب بأخذ وديعته، وتم توقيفه بعد تدخل الأجهزة الأمنية، كما اقتحمت مودعة تحمل مسدسا فرع "بلوم بنك" في "السوديكو"بالعاصمة بيروت قبل أيام أيضا، حيث دخلت برفقة شقيقتها مع مجموعة كبيرة من الأشخاص الذين احتجزوا الموظفين والعملاء، وقاموا برمي مادة البنزين على الموظفين والموجودين داخل الفرع، مهددين بحرقهم، وحطموا بعض محتويات الفرع، كما هددوا الموجودين بالسلاح وأجبروا مديره وأمين الصندوق بفتح الصندوق واستولوا على المبلغ الموجود فيه.
وحذر المراقبون من التراخي في معالجة اقتحامات المصارف سريعا، وفي الوقت ذاته ضمان حقوق المودعين، مؤكدين أن الواقع الحالي قد يتفاقم وتزداد عمليات الاقتحام، بل وتتطور، إذا لم تتبلور الصورة وتعلن الحكومة والمعنيون على خطط لمعالجة الوضع الحالي.
وفي هذا السياق قالت محاسن مرسل الباحثة في الجرائم المالية والاقتصادية في تصريح لوكالة الأنباء القطرية /قنا/ في بيروت، إن ما حصل من إشكالات أمنية في البنوك، هو ردة فعل لحجب المصارف لأموال المودعين منذ ثلاث سنوات، الأمر الذي عطل مصالح المودعين وخلق نوعا من الخوف على أموالهم وودائعهم لدى البنوك.
وأشارت إلى أن الفترة الماضية شهدت تحويلات للخارج من قبل بعض مسؤولي الحكومة، مقابل قيود فرضتها المصارف على المودعين، ولهذا قرر المودعون استرداد أموالهم بالقوة .
ورأت أن الجميع يرفضون هذه الفوضى داخل البنوك، مبينة أن سلسلة الاقتحامات التي شهدتها البنوك جاءت بعد تعطيل خطط الإنقاذ في القطاع المصرفي على مدى ثلاث سنوات، وبسبب رفض المصارف تحمل مسؤولياتها مقابل إصرارها على بيع أموال الدولة لرد أموال المودعين.
وتوقعت مرسل، تكرار حوادث الاقتحام داخل المصارف إذا لم يعرف المودعين مصير أموالهم.
وأوضحت أن المصارف فرضت قيودا غير شرعية أو قانونية على السحوبات، وبالتالي زادت عمليات تحويل الأموال إلى الخارج، لافتة الى ما أعلنه بنك التسويات الدولية مؤخرا عن قيمة تحويل أموال من لبنان الى الخارج بلغت 1.2 مليار دولار خلال الفترة بين أكتوبر 2019 ويناير 2020، أي بعد ما عرف بثورة 17 أكتوبر.
وأكدت أن الحل ليس بإضراب المصارف، وإنما بخطة تعافي يتحمل مسؤوليتها الجميع، في مقدمتهم المصارف والمصرف المركزي اللبناني.
ولفتت الى الخسائر الفادحة التي تكبدها المودعون جراء استرداد أموالهم بالليرة اللبنانية على سعر صرف 12 الف ليرة لبنانية مقابل الدولار، بينما تجاوز سعر صرف الدولار في السوق السوداء 38 الف ليرة، وقد يرتفع الى أكثر من ذلك خلال الأيام القادمة جراء الأحداث الجارية.
وأشارت إلى ضرورة إقرار قانون "كابيتال كونترول"،"المعني بإجراءات تتخذها الحكومة ممثلة بالبنك المركزي وهيئات الرقابة المالية لضبط رأس المال"، لكن ليس بالصيغة المطروحة لأنها تؤدي الى إبراء ذمة المصارف، مبينة أن القانون يجب أن يراعي السماح للمودعين بسحب أموالهم لسقف محدد، وبمبلغ محدد طيلة العام.
وقد أحدثت سلسلة الهجمات حال من الذعر بين الموظفين والعملاء، ويرى مراقبون أن مشهد الفوضى داخل المصارف مقلق، لكنه جاء جراء تقاعس الجهات المعنية عن التوصل الى حل، في حين يلجأ البعض الى مثل هذه الهجمات بسبب الحاجة الملحة للأموال كحالات المرض.