الدوحة في 26 يناير /قنا/ على مساحة تزيد على 118 ألف متر مربع، وعلى مشارف صالة الحجاج بمطار الملك عبد العزيز الدولي التي تقودنا نحو مكة المكرمة كل سنة، إذ ترحب هذه التحفة المعمارية بملايين الحجاج المتوافدين لزيارة بيت الله الحرام من كل أقطار الأرض والتي تتميز بتصميمها العريق الذي قامت به شركة سكيدمور، أووينغز وميريل عام
1981، وفاز بجائزة آغا خان للعمارة عام 1983.. اجتمع جمع غفير من الفنانين والمثقفين من عدة دول من العالم في افتتاح فعاليات بينالي الفنون الإسلامية 2023، ويتضمن أعمالا لنحو 40 فنانا، بمجموع أعمال يصل لما يقارب 280 قطعة أثرية معارة من مؤسسات محلية ودولية، سيتم تقديمها من خلال تجربة حسية فريدة تهدف إلى زيادة الوعي وحث
الزوار على التأمل في الشعائر التي توجه الأفراد وتربط بعضهم ببعض وتولد لديهم شعورا بالانتماء الجماعي، إلى جانب ما يوفره من فرص فريدة للتعلم والبحث والتأمل في هذا النوع من الفنون، بالإضافة إلى الحوارات الفنية القيمة التي سيستضيفها.
شعار "أول بيت" يشير الكعبة المشرفة في مكة المكرمة
ويعد بينالي الفنون الإسلامية 2023، الذي يأتي تحت شعار "أول بيت" ويستمر خلال الفترة من 23 يناير الجاري إلى 23 إبريل المقبل، منصة تعكس تجربة الحجاج القادمين من مختلف دول العالم، من خلال التأمل في تنوع التجربة الإسلامية.
يعمل هذا الحدث الفني على استكشاف المعاني التعبدية التي شكلت الهوية الإسلامية وصقلتها منذ نشأتها وحتى هذا اليوم. وتتلخص هذه المعاني في رمزيات الحركة والصوت والوجهات غير المرئية.
وباعتبارها مهد الإسلام، تتمتع المملكة العربية السعودية بمكانة فريدة بوصفها الراعية للحرمين الشريفين والمواقع الدينية والتاريخية المحيطة بهما، كما أنها بيت المسلمين الجامع لهم مهما تعددت بلدانهم ومشاربهم.
وتشير عبارة "أول بيت" إلى الكعبة المشرفة في مكة المكرمة، والتي نتوجه إليها في صلواتنا كل يوم وليلة، باعتبارها أطهر بقاع الأرض.
ملتقى عالمي للتبادل الثقافي والمعرفي
وعبر القرون، مرت أعداد لا تحصى من الزوار عبر منطقة الحجاز، سعيا لأداء مناسك الحج، وتشاركوا خلالها أداء الشعائر، وممارسة الحرف والفنون، وتبادل العادات والتقاليد، ومشاركة العلوم والمعارف، مما رسّخ مكانة هذه المنطقة كملتقى عالمي للتبادل الثقافي والمعرفي.
وعلى تنوّع مشارب وأطياف المسلمين حول العالم، فإن بيت الله في مكة المكرمة يجمعهم ويسكن في قلوبهم قاطبة، كما أنه أصل أصيل في عباداتهم اليومية.
ويمثل هذا البيت المنبع المشترك الذي يستمدّون منه الإيمان والحكمة والإحساس بالانتماء الذي يوحد المسلمين كافة.
يعمل بينالي الفنون الإسلامية على المقارنة بين إبداعات الفن المعاصر والآثار والمقتنيات المجموعة من العصور الإسلامية السابقة كتعبير عن هذا الشعور بالانتماء، سواء على المستوى الشخصي والإنساني، أو على مستوى الكون اللامتناهي.
محور البينالي موضوعين رئيسيين هما القبلة والهجرة
يتمحور هذا البينالي حول موضوعين رئيسيين هما: القبلة والهجرة.
فـ"القبلة" هي جهة الكعبة المشرفة، بيت الله الحرام في مكة المكرمة، والتي يولي المسلمون وجوههم شطرها في صلواتهم كل يوم.
وهي المنبع الذي يستمدون منه وحدتهم، حيث إنها تقربهم كل يوم في تجمع واحد يضم جميع بقاع الأرض.
يسير بنا الجزء الأول من هذا البينالي في رحلة نحو هذا الاستقطاب الروحي الذي تجمعنا فيه عباداتنا اليومية كالصلاة، والسنوية كالحج.
في مجموعة من صالات العرض المتتالية، يمكننا التأمل في معاني عباداتنا عبر عدسة هذه المقتنيات الأثرية والأعمال الفنية المعاصرة.
تبدأ الرحلة في هذا الجزء، مع ارتفاع صوت الأذان، والذي تتوالى إقامته حول العالم مع حركة الشمس.
ويستعد المسلمون بعدها بالتطهر عبر فريضة الوضوء؛ استعدادا لأداء صلواتهم اليومية، فرادى ومجتمعين.
كما يبحث المعرض في اللحظات الأخيرة من حياة الإنسان، ويختتم بعرض قطعتين أثريتين نفيستين تم جلبهما من جوف الكعبة.
أما في جزء "الهجرة"، وهي رحلة النبي وأصحابه الكرام من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة فرارًا من الاضطهاد. وقد شكّلت هذه الهجرة نقطة البداية للتقويم الإسلامي.
عادةً ما ترتبط حركة الهجرة والنزوح في عالمنا بالضياع وفقدان المأوى، إلّا أنه يمكننا النظر إليها كفرصة للتأكيد على انتمائنا للبشرية جمعاء، وكونها جسرًا يربط بين الوطن الأم وجميع أوطان العالم.
البينالي في رحاب صالة الحجاج في مطار الملك عبد العزيز الدولي بجدة
يقام هذا الجزء من البينالي في رحاب صالة الحجاج في مطار الملك عبد العزيز الدولي بجدة، ويقدِّم أعمالاً فنية صُنعت بتكليف خاص من مؤسسة بينالي الدرعية لتعكس موضوع الهجرة من عدة نواحٍ، بدءاً من التبادل الثقافي، ووصولاً إلى التمازج الثقافي الذي أسهمت مواسم الحج في جلبه للعالم الإسلامي.
يضم هذا الجزء جناحين يعرضان قطعاً أثرية نادرة من مكة المكرمة والمدينة المنورة، مع إبراز دور المملكة العربية السعودية كراعية لأكثر المواقع الإسلامية قدسيةً على الإطلاق.
إلى ذلك، نجد إسهاما جليا لمكتبة الملك عبد العزيز العامة، بمشاركتها في بينالي الفنون الإسلامية، من أجل تعزيز الثقافة العربية الإسلامية بما تقتنيه من مقتنيات نادرة تشكل صورًا من صور التاريخ الإسلامي القريب والبعيد معا.
وتطل المكتبة في البينالي من خلال عرض مجموعة من مقتنياتها من الصور النادرة وعرضها في قاعة مكة، وهي أول صور فوتوغرافية لمكة المكرمة والمدينة المنورة التقطتْ بكاميرا اللواء محمد صادق باشا عام 1880م، حيث كانت مكتبة الملك عبدالعزيز العامة سباقة في ضم مجموعة صادق باشا إلى مقتنياتها، إضافة إلى كتب محمد صادق نفسه الأربعة: "نبذة في استكشاف طريق الأرض الحجازية من الوجه، وينبع البحر إلى المدينة النبوية وبيان خريطتها العسكرية" (1877م)، والثاني "مشعل المحمل في سفر الحج براً" (1880م)، والثالث "كوكب الحج في سفر المحمل بحرا وسيره براً" (1885م)، أما كتابه الأخير فكان "دليل الحج للوارد إلى مكة والمدينة من كل فج" (1885م)، وتعد هذه الكتب نادرة ومهمة، إذ تضم معلومات عن الوضع الاجتماعي والعمراني للمنطقة الغربية من المملكة خلال النصف الأخير من القرن الميلادي الماضي.
وتحتضن مكتبة الملك عبد العزيز العامة أرشيفاً للصور، يعد من أندر المجموعات المصورة في العالم، إذ يبلغ عددها (8100) صورة فوتوغرافية أصلية مفردة أو مجموعات محفوظة في ألبومات، التقطها أشهر مصوري الشرق والمنطقة العربية منذ بدايات التصوير الضوئي عام (1740م)، إضافة إلى الصور التي التقطها الرحالة وربابنة السفن والعسكريون والمبعوثون والقناصل والسياسيون الذين زاروا المنطقة منذ منتصف القرن الماضي، وحتى بدايات القرن الحالي.
أرشيف تاريخي من الصور يجسّد المنطقة العربية في الماضي
ويعد هذا الأرشيف التاريخي من الصور، أحد أهم المصادر في العالم التي تجسد صورة المنطقة العربية في الماضي، حيث إن معظم هذه الصور يسجل بعض المعالم المهمة في المملكة العربية السعودية، إضافة إلى تصوير بعض المشاعر والمعالم الدينية في كل من مكة المكرمة والمدينة المنورة، بالإضافة إلى العديد من الصور التي التقطت للأماكن الأثرية التاريخية في العواصم والمدن العربية، وتعكس في مجملها تنوعاً لأشكال الحياة الاجتماعية والمعاملات العربية، وتؤرخ للتطور المدني والمعماري فيها؛ حيث تظهر أسواقها ومساجدها وطرقاتها وكافة أشكال الحياة فيها، فضلاً عن المجموعة من الصور التي التقطت في مناسبات تاريخية مهمة لشخصيات سياسية واجتماعية بارزة.
جدير بالذكر، أن البينالي يقيم بين الفينة والأخرى ورشا تفاعلية بالموازاة مع التحف المعروضة، من قبيل لقاءات وندوات فكرية حول الحج وفنون رحلاته و"ألف طريق إلى مكة" و"الحج إلى مكة في ستينيات القرن الماضي" و"الجمال في الثقافة العربية.. سلسلة من الأسئلة"، بالإضافة إلى عرض أفلام سينمائية قصيرة، وورش في فنون الخط العربي وتعليم التطريز اليدوي بالخرز وجلسات مع صناع كسوة الكعبة، وغير ذلك من الفعاليات والأنشطة الموازية.