28 نوفمبر 2022

بالتوازي مع صراع التجارة والسيادة.. الفضاء ساحة جديدة للحرب بين أمريكا والصين

  • QNA Images
    المسبار القمري الأمريكي "أرتميس"
  • QNA Images
    بكين تحرز تقدما كبيرا في تطوير تكنولوجيا الفضاء العسكرية

الدوحة في 28 نوفمبر /قنا/ الاعتراف الأمريكي بالتطور التكنولوجي في الفضاء الذي أحرزته الصين خلال السنوات القليلة الماضية، مؤشر قوي على المخاوف التي تخفيها الولايات المتحدة من انتقال الصراع بين الدولتين إلى الفضاء الخارجي، فبعد أن كان الصراع يحتدم في التجارة والتسلح والسيادة، تطور خلال السنوات الماضية ليشمل أيضا الفضاء الخارجي.

وفي هذا الإطار، قالت نينا أرماجنو رئيسة هيئة أركان القوة الفضائية الأمريكية اليوم، إن بكين أحرزت تقدما كبيرا في تطوير تكنولوجيا الفضاء العسكرية بما في ذلك في مجالات مثل الاتصالات عبر الأقمار الصناعية والمركبات الفضائية التي يمكن إعادة استخدامها والتي تسمح للدول بتوسيع نطاق برامجها الفضائية بسرعة، وأضافت "أعتقد أنه من الممكن تماما أن يتمكنوا من اللحاق بنا والتفوق علينا بالتأكيد.. التقدم الذي أحرزوه كان مذهلا وسريعا".

وأحرزت بكين تقدما كبيرا في سباق الفضاء في السنوات الأخيرة مما أثار قلق واشنطن ودول غربية أخرى على الرغم من تراجعها تاريخيا في سباق الفضاء الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة وروسيا، وشبه يي بيجيان رئيس البرنامج الصيني لاستكشاف القمر والمريخ بالجزر المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي التي تطالب بكين بالسيادة عليها.

وتحولت أنظار كبار صانعي الإستراتيجيات في الولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة نحو برامج الفضاء التي تطلقها الصين، والتي يقود الجيش جهودها حيث أطلقت 39 صاروخا العام الماضي، مقارنة بـ31 أطلقتها الولايات المتحدة، و20 من روسيا وثمانية فقط أطلقتها أوروبا. واستهلت الصين 2022 بإرسال مسبار إلى الجانب المظلم من القمر للمرة الأولى في تاريخ الفضاء، وتخطط لبناء محطة مدارية خلال العقد المقبل.

وتنفق الصين حاليا على برامجها الفضائية المدنية والعسكرية أكثر مما تنفقه روسيا واليابان، وقدرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، الميزانية التي خصصتها الصين لهذا المجال عام 2017 بنحو 8.4 مليار دولار، ويعد هذا الرقم أقل بكثير من الـ48 مليار دولار التي تنفقها الولايات المتحدة على برامجها المرتبطة بالفضاء سواء مدنية أو عسكرية، لكنه يتجاوز ضعف ميزانية روسيا المخصصة للفضاء في المجال المدني والتي تم خفضها إلى ثلاثة مليارات دولار.

وبعد تأخرهم لعقود في هذا المجال، استنسخ قادة الصين بشكل منهجي للغاية مراحل التطور الفضائي الذي حققته دول عظمى أخرى، وتمثل ذلك في إرسال أول قمر صناعي عام 1970 وأول مهمة مأهولة إلى الفضاء عام 2003، وأول مركبة فضائية مأهولة تلتحم مع معمل مداري عام 2012، إلى جانب تشغيل نظام "بايدو" للملاحة بالأقمار الصناعية والذي يعد النظير الصيني لنظام "جي بي إس".

وتجلت المخاوف الأمريكية مؤخرا في تأجيل وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا"، إطلاق المسبار القمري "أرتميس" والذي كان مخططا له 29 أغسطس الماضي، ليزيد من سوداوية المشهد لدى الأمريكيين، ويفاقم مخاوفهم من أن يصبحوا خلف الصين (فضائيا)، التي باتت أكثر تصميما وعزما على التفوق على أمريكا في الفضاء أيضا.

لكن ما الرابط بين الأمن القومي الأمريكي ونجاح إطلاق "أرتميس"؟ يرى المسؤولون الأمريكيون أن هبوط شخص ما على سطح القمر لأول مرة منذ 50 عاما، سيكون علامة ملموسة ورسالة للكثيرين على استمرار التفوق الأمريكي، وأن روح أمريكا القادرة على فعل شيء، ما زالت حية وبصحة جيدة.

علاوة على ذلك، فإن إطلاق "أرتميس" (الذي تم فعليا منتصف الشهر الجاري) سيدشن برنامج "أرتميس" لرحلات من القمر إلى المريخ، والذي يخلف مشروع "أبولو" في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، فالرحلة المأهولة المخطط لها إلى المريخ، والتي يعتزم "أرتميس" المساعدة في التحضير لها، ستكون أكثر أهمية، وستساهم في تكريس الزعامة الأمريكية في الفضاء كما يأمل صناع القرار في واشنطن.

ويشير الخبراء إلى أن الفوائد والآمال التي تعلقها أمريكا على "أرتميس"، ستتلاشى وتنقلب إلى حالة قلق وجزع، نظرا للتحديات العسكرية التي يمكن أن تواجهها الولايات المتحدة من الصين، التي أعلنت عن برنامج طموح للقمر يتضمن نظاما لكشف الكويكبات وإبعادها عن الارتطام بالأرض، وهو سلاح من المحتمل أن يكون له تأثير وأهمية كبيران على الأرض، حيث ستتمتع بكين عندها بإمكانية ضرب أهداف أرضية (ضد أعدائها) من الفضاء.

ومنذ عقود مضت أصبحت قيادة "الجوفضائية" الآن ضرورية لأي جيش حديث، فالذخائر الدقيقة الفتاكة للجيش الأمريكي تعتمد على اتصالات الأقمار الصناعية الفورية لضرب أهدافها، وبالتالي أي شيء يهدد قدرات الولايات المتحدة الجوية أو المدار حول الأرض، أصبح يشكل تهديدا مباشرا للأمن القومي مباشرة.

وانطلاقا من هذه النقطة، فالخشية والخوف الأمريكي من الصين، نابعان من خطط بكين القمرية، وبالرغم من تأكيد الصين على الطبيعة السلمية والعلمية الكاملة لبرامجها الفضائية، لكن ثمة قناعة لدى واشنطن أنه يمكن عسكرة الوجود القمري الصيني، ربما دون أن يتم اكتشافه بسهولة ما لم تمتلك الولايات المتحدة قدرة فضائية مماثلة، ولهذا السبب، تعول أمريكا وتسخر كل قدراتها وإمكاناتها التكنولوجية لإنجاح برنامج "أرتميس" لمواجهة الصين فضائيا.

ولا تشكل الصين حاليا أي تهديد لسوق إطلاق الأقمار الصناعية التجارية، والذي لا تزال تهيمن عليه شركات بينها "سبيس إكس" الأمريكية و"أريان سبيس" الأوروبية الروسية، ولم يطغ تقدم الصين بعد في مجال استكشاف الفضاء على الولايات المتحدة.

وتكمن المنافسة الحقيقية في الصراع إلى الفضاء، في مجالين، على الأمد القريب، الاستخدامات العسكرية للفضاء، وعلى الأمد البعيد، استغلال موارد الفضاء. ولا يزال استخراج المعادن أو المياه من القمر أو الكواكب الصغيرة، تحديدا لإنتاج وقود الصواريخ، هدفا بعيد المنال، لكن المؤسسات والشركات الأمريكية الناشئة بدأت العمل على ذلك.

وبخلاف الحال أيام الحرب الباردة، يجري غزو الفضاء بمعظمه في ظل فراغ قانوني، ففي ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، تفاوضت واشنطن وموسكو على معاهدات عدة مرتبطة بالفضاء، تحديدا لضمان التعاون العلمي وحظر أسلحة الدمار الشامل في الفضاء.

إلا أن تلك المعاهدات كما وصفها الخبراء "ضبابية" لدرجة تجعل من الصعب التأكد من التبعات القانونية لعمليات الاستخراج في الفضاء، وطغت على هذه المعاهدات كذلك التكنولوجيا العسكرية الحديثة على غرار معدات الليزر المضادة للأقمار الصناعية والهجمات الإلكترونية والتشويش الإلكتروني والصواريخ الأرضية المضادة للأقمار الصناعية مثل ذلك الذي اختبرته الصين في 2007.

ويتفق الخبراء أن الصراع بين الولايات المتحدة الامريكية والصين سيظل مقتصرا على التصريحات والمناوشات، على أقل تقدير خلال العقد الجاري، فكما كان الحال في الصراع التجاري أو الاقتصادي، فلن يتأزم الموقف بين الصين وأمريكا، وإلا ستكون هناك تأثيرات اقتصادية كبيرة، ما يزيد من الأزمة المالية التي تضرب العالم، إذ إن الصين هي مصنع العالم، فيما تتبوأ أمريكا المرتبة الأولى في التسلح والدفاع والهجوم، والصناعات والتجارة أيضا، بخلاف سيطرتها على العالم من خلال علاقات واتفاقيات.

وتبقى حقيقة واحدة يمكن تلمسها وهي أن التفوق الصيني في الفضاء أصبح واضحا، وباتت بكين تسبق بخطوة الولايات المتحدة في السباق إلى الفضاء.. والحقيقة الأخرى الواضحة أيضا، أن الولايات المتحدة تدرك منذ عدة سنوات التفوق الصيني، وهي في طريقها الآن لمحاولة تعويض ما خسرته من خطوات خلال السنوات الماضية.


الكلمات المفتاحية

عام, ابحاث ودراسات

النشرة الإخبارية
X
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. تعرف على المزيد حول كيفية استخدامها ، أو قم بتحرير خيارات ملفات تعريف الارتباط الخاصة بك
موافق